بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على قائد الحق ورائد الحقيقة محمد بن عبد الله الرسول المبعوث من لدن رب العالمين، ليقدم لهم رسالة القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على قلب الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. وبعد،
القرآن الكريم، هو كلام الله المعجز، المنزلُ على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوبُ في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبًّدُ بتلاوته
1 – القرآن الكريم هو كلام الله أنزله للعباد باللغة العربية، على قلب نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، شأنه في ذلك شأن الكتب المقدسة قبله (كالتوراة والإنجيل) المنزلة على أنبياء الله سيدنا موسى وسيدنا عيسى، قبل أن تطالهما يد الزمان القديم، حيث لم يكن للناس- في تلك الأيام - اهتمام بتدوينها ودقة نقلها، حسبما هو متعارف عليه اليوم في طرق توثيق المنقولات.
2 – وقد أنزله الله جل وعلا ليعيد الناس إلى الشرع الإلهي الذي بَعُدَ الناس عنه، وليتحداهم ويظهر عجزهم عن الإيتان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
3 – وقد تم حفظه كتابة باللغة العربية، منذ ساعة نزوله آية آية، على ما كان معروفاً في ذاك الزمان من رقاع وعظم وحجر رقيق وما شابه ذلك.
ثم جرى جمعه منسقاً في عهد أبي بكر، ثم جرى نسخ خمسة مصاحف منه أرسلت إلى الأمصار الإسلامية المعروفة يومذاك ليكون مرجعاً للناس في عهد عثمان، يعودون إليه إذا ما اختلفوا في كلمة أو حرف منه.
كما تم حفظه في الصدور، حيث كان صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحفظونه ويتعبدون الله بتلاوته وترتيله غيباً... وما زال الناس يتلقون القرآن حفظاً كابراً عن كابر، دون انقطاع منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم؛ الأمر الذي يؤكد أن نقل كلام الله هذا (القرآن) كان بالتواتر، حيث يرويه جمع من الحفظة يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عن جمع مثلهم، دون انقطاع إلى أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحث لا يمكن بأي حال أن يتصور تواطؤ كل هذه الجموع التقية على الكذب، بالإضافة إلى النص المكتوب والمحفوظ منذ ذلك العهد (مصحف عثمان) وما نقله من أتى بعد ذلك عن هذا المصحف حتى وصل إلينا، مجمَعاً على كتابته في السطور، ومجمعاً على نقله في الصدور؛ فكان هذا النقل الذي جرى في العصور التي تسمى عصور الظلمات أفضل وسيلة عرفها العلم الحديث، لضمان صحة النقل وسلامته، للوثوق بالأصل وثوقاً لا يتطرق إليه الشك.
4 – وهذا الكلام الإلهي (القرآن) هو الذي أوجب الله على الخلق أن يتعبدوه بتلاوته، باللغة العربية كما أنزل، وجعل جل وعلا هذه التلاوة تقرباً إلى الله تعالى، ينالون عليها الثواب والأجر.. فقال جل وعلا {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور. ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}. [سورة فاطر: الآية 29 و30]. وتبياناً لوفرة الأجر الجزيل على التلاوة بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأجر هذا لا يُحتَسَب بمقدار الكلمات، بل بمقدار الأحرف، حيث جعل لتلاوة كل حرف منه حسنة، فقال: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) (رواه الترمذي وقال حسن صحيح). بل إن النبي عليه السلام جعل تلاوة القرآن الكريم أفضل عبادة يقوم بها المرء، فقال: (أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن) (رواه الديلمي عن أنس وابن قانع في معجم الصحابة. وسنده فيه ضعف غير أنه يتقوى بغيره).
5 – هو كتاب هداية وإعجاز، ويقصد بذلك أن يشمل هداية الخلق كلهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولذلك فقد حمل بين دفتيه التحدي وإثبات العجز عن الإتيان بمثله. ويكفي أن نشير هنا إلى انه هو الكتاب الوحيد بين الكتب السماوية والكتب القديمة الذي تطرق إلى وقائع من العلوم الكونية، ولم تأت نظرية علمية مؤكدة تخالف مضمون ما أشار إليه، على الرغم من كثره هذه الإشارات، التي أوردها.
وحض على معرفة علوم الكون وصنائع العالم، وحث على الانتفاع بكل ما يقع تحت نظرنا في الوجود، فقال جل وعلا: {قل انظروا ماذا في السموات والأرض}. [سورة يونس: الآية10]. وقال جلت حكمته: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [سورة الجاثية: الآية 13].
ويكفي كتاب الهداية هذا فخراً أن يبين للناس حقيقة علمية ما تزال إلى اليوم تعتبر من أحدث النظريات العلمية الثابتة، فيقول: {ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} [سورة النور: الآية 43]
ويكفي كتاب الهداية هذا، أنه عندما أشار إلى كمال اقتدار الله جل وعلا على إعادة الإنسان وبعثه بعد موته، استدل على ذلك بالإشارة إلى ما أصبح اليوم نظرية علمية حديثة ثابتة فقال: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه. بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [سورة القيامة: الآية 3-4].
ألا تجعلنا هذه الآيات وأمثالها نستشعر عظمة الله جل وعلا ونقول كما ورد في القرآن: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [سورة المؤمنون: الآية 14].
لذلك كله لم يكن هناك بد من نشر هذا القرآن الكريم الذي أنزله الله جل وعلا ليكون هداية للناس.. وليكون رحمة للعالمين